الأضواء الشمالية: ماذا تخبرننا عن المناخ والطقس في الفضاء؟

ماتيو بارتيليمي

سواء كنت باحثًا أم لا، فإن الإجابة الأولى التي تتبادر إلى الذهن هي أن الأضواء الشمالية تدرس لجمالها. إذا كان هذا ما يمثل غالبًا الدافع العميق والأساسي للباحثين الذين يعملون على هذا الموضوع، فهناك أسباب أخرى تدفعهم إلى دراسة هذه الأضواء التي تحدث على كوكب الأرض أو على الكواكب الأخرى.

لأن الأرض ليس الكوكب الوحيد الذي يحدث فيه الشفق القطبي. ليولد الشفق القطبي نحتاج إلى غلاف جوي ومجال مغناطيسي ورياح شمسية، وقد كُشف عن وجود الشفق القطبي على كوكب المشتري وزحل وأورانوس ونبتون حيث اجتمعت هذه الظروف. عطارد حيث اُكتشفت انبعاثات ضوئية أقرب إلى الشفق غلافه الجوي رقيق للغاية. على سطح المريخ، حيث تجمد المجال المغناطيسي على قشرة المريخ (يوجد أثر لمجال المغناطيسي قديم)، انبعاثات الضوء في مناطق المجال المغناطيسي القوي لوحظت بواسطة مهمة فضائية في عام 2005. الزهرة ليس لديها مجال مغناطيسي، ولكن هناك انبعاثات منتشرة في الغلاف الجوي العلوي، هل هو شفق قطبي؟ النقاش لم يحسم.

في جميع الحالات، هذه الانبعاثات الضوئية المختلفة غنية بالمعلومات عن الغلاف الجوي للكواكب التي تضيؤها، على سبيل المثال فيما يتعلق بتركيبها الكيميائي أو ديناميكيتها، وأيضًا بشأن تدفق الجسيمات التي تأتي من الشمس.

 الشفق القطبي مرتبط بنشاط الشمس

على الأرض، غالبًا ما نشترك في تسميتها بالأضواء الشمالية، والتي تشير فقط إلى الأضواء التي تحدث في الشمال، وبالتالي ننسى الأضواء الجنوبية في نصف الكرة الجنوبي – المصطلح العام هو في الواقع “الشفق القطبي”.

يحدث الشفق القطبي بسبب الجسيمات المشحونة -بلازما- القادمة من الشمس، وهو تدفق يسمى بالرياح الشمسية. هذه الجسيمات، وبشكل رئيسي الإلكترونات والبروتونات، “يلتقطها” المجال المغناطيسي للأرض وتغرق في الغلاف الجوي حول الأقطاب المغناطيسية.

الشفق القطبي فوق مرتفعات سنايفلشنش (Snaefellsnes) الجليدية في أيسلندا. 

يتركز الشفق القطبي على طول الأشكال البيضاوية المتمركزة حول القطب المغناطيسي عند خط عرض 20 درجة تقريبًا ويصطدمون بالغاز الجوي، مما يتسبب في “إثارة” ذرات وجزيئات هذا الغاز. يأتي انبعاث الضوء الذي نراه في الشفق القطبي من استرخاء غاز الغلاف الجوي بعد هذه الإثارة، والتي تسمى (الفلورية).

في أي ارتفاع يوجد هذا الشفق القطبي متعدد الألوان؟

عند مراقبة الشفق القطبي من الأرض، من الصعب معرفة ارتفاعه، تمامًا كما يصعب معرفة ارتفاع الغيوم.

قام كارل ستورمر ومساعده بيرنت يوهانس بيركلاند بتصوير الشفق القطبي في ألتا في النرويج في عام 1910. أندرس بير ويلس (1865-1949)، ويكيبيديا

كريستيان بيركلاندإنه، فيزيائي نرويجي، والذي بالإضافة إلى فهمه للظاهرة وعلاقتها بالشمس، في بداية القرن العشرين، قدر ارتفاع هذه الانبعاثات – بعد تقدير اللورد هنري كافنديش الأولي غير دقيق للغاية في القرن الثامن عشر-. لقد جرب أولاً في الجبال ليرى ما إذا كان موجودًا في الأفق، ولكن لم يكن كذلك. قاس بعد ذلك الزاوية التي نرى فيها الشفق من عدة نقاط، باستخدام منهجية “التثليث” وبالتعاون مع كارل ستورمر وقدر عالم فيزياء نرويجي آخر الارتفاع بحوالي 100 كيلومتر.

بالإضافة إلى اللون الأخضر، يمكن أيضًا ملاحظة اللون الأرجواني والأحمر. تعتمد هذه الألوان بشكل أساسي على الغاز الذي ثار وهدئ: الأخضر والأحمر بسبب الأكسجين بينما يعود اللون الأرجواني إلى أيون النيتروجين (N2⁺). الأرجواني ينبعث مسافة تقارب 90 كيلومترًا، والأخضر حوالي 120 كيلومترًا والأحمر حوالي 220 كيلومترًا. توجد انبعاثات أخرى تشمل الأشعة فوق البنفسجية، لكنها غير مرئية من الأرض، لأنه تم تصفيتها بواسطة الغلاف الجوي.

ماذا يخبرنا الشفق القطبي اليوم؟

تسمح لنا دراسة الشفق القطبي بفهم الغلاف الجوي العلوي بشكل أفضل، وكذلك الاضطرابات التي تسببها الرياح الشمسية عند دخولها الغلاف الجوي على النظم التكنولوجية  كالاتصالات اللاسلكية أو السلكية والشبكات الكهربائية والأنظمة تحديد المواقع والطيران والأقمار الصناعية. في مارس من عام 1989 في الكيبيك، تسببت عاصفة شمسية في حدوث انقطاع في التيار الكهربائي لعدة ساعات وعاصفة أخرى تسببت في العديد من الأعطال في الأقمار الصناعية في عام 2003.

الشفق القطبي هو وسيلة للحصول على معلومات حول كيفية ترسب طاقة هذه الجسيمات في الغلاف الجوي.

كيف يُستخدم الشفق القطبي لدراسة تدفق الجزيئات من الشمس؟

 يستخدم الباحثون الشفق القطبي لمراقبة الرياح الشمسية، من مسافة بعيدة وعلى المدى الطويل.

مثلما أنه من المستحيل معرفة الأرصاد الجوية عن طريق قياس درجات الحرارة أو الرياح مرة واحدة فقط في السنة لبضع دقائق، فإن البيانات المستمرة وطويلة الأجل لا غنى عنها للتنبؤ بالأضواء القطبية والاضطرابات الكهرومغناطيسية المرتبطة بالرياح الشمسية، وهو تخصص يعرف باسم الأرصاد الجوية الفضائية.

هذا الموضوع لا يزال معقدًا لأن الصيف غير مناسب لمراقبة الشفق القطبي (الليل قصير أو لا يوجد ليل في المناطق القطبية في الصيف) ويمكن أن يختفي الشفق بالغيوم. لذلك من الصعب ضمان المراقبة المستمرة للشفق القطبي عندما تبقى واقفًا على الأرض.

لسوء الحظ، من الصعب جدًا أيضًا إجراء القياسات على ارتفاع الشفق القطبي على المدى الطويل، لأن تركيب الأدوات التي تتمركز على ارتفاع 100 أو 200 كم أمر معقد فبالونات الستراتوسفير ترتفع فقط وبالكاد تستطيع الأقمار الصناعية كيلومتر والصاروخ الذي يمر عبر هذه المناطق سيبقى هناك لفترة قصيرة جدًا فقط. تعاني الأجهزة الموجودة على متن الطائرات من فترات مراقبة قصيرة جدًا، وتقنية الليدار مطورة لهذا النوع من المراقبات، لكنها لم تصل بعد إلى الطبقات التي تتجاوز 100 كيلومتر.

أحد الحلول هو وضع أداة المراقبة فوق الشفق القطبي. مع وجود قمر صناعي في المدار على ارتفاع 500 كم، يمكننا عمل 15 إلى 16 مدارًا يوميًا من أن تصبح الغيوم عائقا، وبالتالي لدينا مراقبة مستمرة تقريبًا لانبعاثات الضوء هذه ومراقبة الأطوال الموجية التي يتم ترشيحها بواسطة الغلاف الجوي، الأشعة فوق البنفسجية على سبيل المثال. أخيرًا، من الممكن مراقبة الشفق القطبي من الفضاء في النهار، من خلال “التصويب على الطرف”، أي بدون خط الرؤية الذي يعترض الكرة الأرضية، في زاوية حدوث الرعي.

تواجه المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية بشكل طبيعي تحديات أخرى: الظروف المكانية صعبة التحكم (الفراغ، درجات الحرارة القصوى، الإشعاع، إلخ) والقمر الصناعي سريع الحركة، مما يعقد التقاط الصورة (حوالي 7 كيلومترات في الثانية للمدار على مسافة 500 كيلومتر).

مراقبة الشفق القطبي من الفضاء

أُرسلت العديد من تجارب مراقبة الشفق القطبي إلى الفضاء للكشف عن انبعاثات الأشعة فوق البنفسجية أو للتغلب على السحب وضوء النهار، على سبيل المثال القمر الصناعي (REIMEI) من وكالة الفضاء اليابانية.

أطلق الفريق الغرونبولي مشروعًا في عام 2017 لبناء قمر صناعي نانوي، يزن تقريبا 2 كجم، ومجهز بجهاز تصوير مصمم خصيصًا لرصد هذا الشفق في الأطوال الموجية المرئية. بعد العديد من المغامرات والتعاونات الكبيرة، لا سيما مع جامعة موسكو ومجتمع هواة الراديو، انطلق القمر الصناعي أميكال سات من قاعدة كورو في 3 سبتمبر 2020 على متن صاروخ فيجا. وصلت أول صورة للشفق في بداية شهر نوفمبر 2020، مما يدل على أنه من الممكن ملاحظة الشفق القطبي من الفضاء باستخدام قمر صناعي صغير بناه الطلاب.

من الصور التي تنتجها الكاميرا الموجودة على اللوحة، سيكون من الممكن تحديد شدة الشفق من الألوان المختلفة التي تم التقاطها بواسطة مرشحات الكاشف باللون الأحمر والأزرق والأخضر، في الوقت نفسه، صُممت عمليات محاكاة لحساب هذه الانبعاثات استنادا للتدفق وطاقة الجسيمات التي تدخل الغلاف الجوي وطاقاتها، “عن طريق عكس” هذه المحاكاة، سنعيد تكوين هذه العناصر للوقت الذي التقطت فيه هذه الصور.

في المقام الأول سيتم التركيز بشكل أساسي على الإلكترونات ذات الطاقات المنخفضة نسبيًا (أقل من 30 كيلو الكترون فولت). فهي من يمكنها من خلال التيارات التي تخلقها أن تعطل الشبكات الكهربائية على الأرض وتشكل مشاكل كبيرة للأقمار الصناعية، لأنها تميل إلى التراكم على سطح الأقمار الصناعية ثم تتفرغ داخلها مما قد يؤدي إلى إتلاف المكونات، الأجهزة الإلكترونية خصوصا، وبالتالي فقد السيطرة عليها.

المصدر:https://theconversation.com/aurores-boreales-ce-quelles-nous-apprennent-sur-le-climat-et-la-meteo-de-lespace-152023

اترك رد

%d